الرئيسية / اخبار / سبب وفاة الحبر يوسف نور الدائم الحقيقي

سبب وفاة الحبر يوسف نور الدائم الحقيقي

سبب وفاة الحبر يوسف نور الدائم الحقيقي؛ توفي، أمس الأحد، البروفيسور السوداني يوسف نور الدايم، رئيس قسم اللغة العربية بجامعة الخرطوم وأحد رجالات العلم والدعوة في السودان، بأم درمان بالعاصمة السودانية الخرطوم، أمس الأحد، في تمام الساعة الثانية عشرة ظهراً. سن أكثر من 83 سنة.

ولد الحبر الأعظم يوسف نور الدائم في قرية السراب الواقعة في الريف الشمالي لأم درمان، وهي بيئة مليئة بالشعر. وكان والده شاعر الرثاء والشعر. درس نور الدايم في كلية الآداب بجامعة الخرطوم، ثم أُرسل بعد ذلك إلى المملكة المتحدة حيث حصل على الدكتوراه من جامعة إدنبرة في اسكتلندا.

انضم الأستاذ الحبري إلى الحركة الإسلامية وظل نشيطاً فيها طيلة حياته الأكاديمية. وتميز بإجادته علوم اللغة العربية. ووصفه الكثيرون بأنه خليفة العلامة الراحل الأستاذ عبد الله الطيب. وبرز كشاعر ماهر. وكان عالماً بعلوم القرآن وتفسيره. ونشط في تقديم برامج تفسير القرآن الكريم في الإذاعة. والتلفزيون مثل برامج “سهر البيان” و”أحسن الحديث”.

كتب الأديب السوداني أحمد أمين الأحمد المقيم في العاصمة البريطانية لندن هذه الكلمات الرثائية في وداعه للشاعر يوسف نور الدايم:

ذلك الشتاء البعيد على ساحل الأديك، وقبل وصول المقرن، تشرفنا بدخول جامعة الخرطوم التي يصعب وصفها إلا بأنها صورة مصغرة للسودان بكل مناطقه وقبائله وطبقاته.

مكان رائع زارته أغلب الأسماء التي كان لها الأثر الإيجابي والسلبي في ذاكرة السودان القديم والجديد والمستقبلي.

وفي بداية «ذلك الشتاء» تشرفت بالجلوس في حلقات دراسة أستاذنا الجليل العلم المتواضع الشيخ الحبير (حامل الكتاب ومفسره) الذي تشرفنا بالدراسة فيه. القاعة 102 بالصف الأول. وعلى الرغم من مكانته الأكاديمية والدينية العالية، إلا أنه كان يشجعنا على أن نكون متواضعين للغاية في المظهر، وأذكر أنه كان من الصعب عليه أن يتكلم دون أن يبتسم، وهذه أجمل صفة أن تبتسم في وجه محاورك. لقد عاتب الله سيدنا وحبيبنا وشفيعنا محمد -صلى الله عليه وسلم- حين عبس واستدار في وجه ذلك الرجل الأعمى رضي الله عنه.

جلوسنا في دروس شيخنا العلامة يوسف نور الدايم في قاعة 102، كان ذلك الشتاء البعيد ونحن في رام الله (مصطلح سوداني يطلق على طلاب السنة الأولى) يعادل هطول أمطار غزيرة في صحراء قاحلة، وتحويلها إلى مراعي خضراء ومحاريث. وربما كان ذلك بسبب الحضور القوي لشيخنا العالم آنذاك بعلمه الغزير في (الأدب الجاهلي)، ناهيك عن فهمه العميق لتفسير آيات الكتاب الحكيم، من خلال التواضع. وأخلاقه القرآنية العالية جعلته شيخا تضرب له أكباد الإبل.

فكم سيكون سعيداً من يقرأ الأدب الجاهلي للدكتور الحبير في قاعة 102 (عبد الله الطيب حالياً) بكلية الآداب بجامعة الخرطوم. وكان الحبير بعلمه الكبير وبهجته البالغة يدخلنا في تلك القاعة الواسعة المشرقة، حاملاً معه سحاب وائل، وعلقمة الفحل، وساطح الذهبي، وشق بن يسار، والمرقشان، الأكبر والأصغر. وجميع شعراء المعلقات، بالإضافة إلى شيخهم وقاضيهم النابغة الضبياني، من خلال اعتذاره الشهير للنعمان في تلك لمياء الشهيرة، والداعية العربي قيس بن سعيدة، الذي رآه النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- في الجاهلية على قومه وهو على جمل أحمر يخطب، متكئا على سيف، يعتمر عمامة.

يعد الدكتور الحبير يوسف من القلائل في الوطن العربي الذين ما زالوا يتمتعون بالأصالة والقيمة والمعرفة الحقيقية بلغته وآدابها، والتفسير وعلومه، والقرآن وقراءاته العديدة، بالإضافة إلى الحديث النبوي الشريف من خلال التوفر والتركيز الدؤوب على المصادر الحقيقية لجميع هذه العلوم، التي بدأت يشوبها الوهن والوهن والوهن بفضل بؤس التعليم الحالي. لأنه ابتعد عن مصادره الصلبة المبنية على الشروح، ونصوص الحواشي، وغيرها من حواشي النصوص، والصبر العميق يجعل الطالب يحفظ ألفية ابن مالك وتفسيرها في أقل من شهرين.

الشيخ الحبر مثل كثير من أساتذة اللغة العربية بجامعة الخرطوم بالسودان القديم شاعر كبير لكنه كان ضئيلا في عصر دنيء، وأجمل القصائد القصيرة التي قرأت منه بعنوان «أنفاس القريض» قرأها قديماً واقفاً في مقام شيخه ومعلمه الراحل عبدالله الطيب الذي ينسب إليه عندما حمله. وتم نقل جمله إلى جامعة سيدي محمد الخامس بفاس. ولامه أقاربه المحبون على ترك التدريس في جامعة الخرطوم القديمة، فأجابهم: يكفي أنه ترك خلفه تلميذه الحبيب الحاخام يوسف أو كما قال رحمهم الله. كلاهما.

بل ما أسعد من يقرأ الكتاب والتفسير والحديث والسيرة واللغة القديمة والنثر الجاهلي وقافية الكهنة والأمثال في عصر ومكان هي كلية الآداب في جامعة الخرطوم، التي اجتمع فيها عبد الله الطيب، والحاخام يوسف نور الدايم، والمالك، والواثق، ومهدي المأمون، وغيرهم، على شكلها.

منذ سنوات سعدت بنسخة سخية من كتاب «مع الفرزدق في لندن». وصلت إلى لندن مع «الريح الجنوبية» بحسب قاموس عادل القصاص القديم هدية من الأستاذة نفيسة كريمة المؤلف عبد الرحيم الأمين. وقفت عند مقدمة شيخنا الحبير للسفر، وتذكرت سنوات الدراسة في الثانوية القديمة، عندما كنت أدمن قراءة مجلة. “الدوحة” الشهرية برئاسة محمد إبراهيم الشوش، والنور عثمان أبكر، والطيب صالح.

ومن كتاب مجلة الدوحة حينها، كنت أتابع مقالات «شخصيات حية من الأغاني» التي كتبها الناقد المصري محمد المنسي قنديل، وظهرت لاحقاً في كتاب. وكان يكتب في تلك المقالات عن «أيام العرب»، وخاصة «حرب البسوس» وصعاليك العرب من حضور ديك الجن والشنفري. السالك، تابوت شرة، عروة بن الورد، وغيرهم، وكل هذا مرتبط بمسار الأدب الجاهلي الذي أملاه علينا شيخ الحبر ذلك العهد القديم، في قاعة 102 .

وفي ذكره لحرب البسوس، كتب محمد المنسي قنديل أنه بعد إصابة ضرع الناقة بسهم ومقتلها، حاول جساس استرضاء عمته البسوس بحوالي 20 عينق (شاه أو جمل). لكنها رفضت وطلبت منه أن يقتل علال بير كليب “المدلل”، وكان هذا طلباً أقل من كسر القتاد.

وعندما حل الليل ألقى البسوس أبياتاً شعرية في حالة من الحزن أدت إلى التحريض على الحرب. وقد عُرفت هذه الأبيات النادرة بـ “الموثبات”. وللأسف لم يذكرهم محمد المنسي قنديل في المقال، فواصلت البحث عنهم ومازلت أفعل.

بعد ظهر أحد أيام الصيف، دخلت مكتب الدكتور الحبير في مكتبه المقابل لمكتب مسجل الكلية بعد أن طرقت الباب. كنت «أستاذاً» أسأله عن هذه «الاحتجاجات» التي أشعلت حرب البسوس. وأذهلتني تواضعه الكبير واستقباله الكريم للطالب رغم مكانته الأكاديمية والسياسية العالية.

اترك تعليقاً